السؤال:
ابني في مدرسة تحفيظ القرآن، وهو الآن في الصف الثاني الثانوي، ولكنه لا يفتح القرآن أبدًا، ويريد اللعب فقط، المشكلة أنه يستقي التوجيهات من زملائه ويتجاهلني، ووالده سلبي للغاية، ما حيلتي؟
الجواب:
تذكرين أن ابنك في الصف الثاني الثانوي في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم، ولكنه لا يقرأ القرآن أو يحفظه، ويُغَلِّب جانب المرح، كما أنه يتلقى التوجيهات من زملائه أكثر منك، أما والده فإنه سلبي لا يتعاون معك في تربية ابنك.
في البداية أود أنبه إلى أمرين:
أولهما: أن ما سأذكره لك ليس فيه حل سحري، ولكنه عبارة عن مقترحات أرجو أن تكون مفيدة في مثل حالة ابنك.
ثانيهما: أن مرحلة المراهقة مرحلة تحتاج إلى صبر طويل، وتقبل التوجيهات من الوالدين قليل جدا، لاسيما إذا كانت بصيغة مباشرة، ذلك أن الابن يعتقد أنه تجاوز مرحلة الأوامر، وأنه الآن كبير له رأيه الذي يعتد به، ولا حاجة له إلى توجيهات الأبوين، فهو يريد أن ينعتق من الأسرة، وإذا لم يكن قد تلقى تربية جيدة في مرحلة الطفولة فإنه في هذه المرحلة قد تجاوز مرحلة التربية الطفولية، وهو بحاجة إلى تربية من نوع آخر، يحسن الرجوع إلى تفاصيلها في الكتب التربوية المتخصصة، وهي كثيرة مثل: كتاب المراهقون للدكتور عبدالعزيز النغيمشي، وكتاب علم نفس المراحل العمرية للدكتور عمر المفدى، وكتب مأمون مبيض وبعض الأشرطة المفيدة.
لا يخفى عليك- أختي- أن طريقة تفكير المراهقين تختلف عن غيرهم، ولهذا فإن ميله إلى المرح حالة غير مستغربة، وكذلك تقبله من أصدقائه أكثر من والديه، وما دام سلوك ابنك مستقيمًا، فهو الأهم، أما الحفظ فإنه يبقى وسيلة وليس غاية في حد ذاته، فإن حقق أمنيتنا العظيمة وأمنية كل أب بحفظ كتاب الله فهذا هو المرجو، وإن كان دون ذلك ولكنه مستقيم فهذا خير وبركة والحمد لله.
لكن هذا لا يعني أن نستسلم لوضعه ونقف مكتوفي الأيدي أمامه لمجرد أنه مراهق، أو أنه على درجة كافية من الصلاح، بل نتلمس كل ما من شأنه تكميل شخصية أبنائنا، وهنا نضع لك بعض الأمور المهمة التي لا تغني عن الرجوع لكتب المتخصصين.
• من الأمور المهمة التي تحل كثيرًا من الإشكالات في حالة ابنك: أن يتم إدخاله حلقة تحفيظ القرآن الكريم في أحد المساجد التي تستهدف مثل عمره، ويكون فيها تلبية لرغباته وإشباع لحاجاته.
وفيها سيجد أولا: المنافسة التي تدفعه لمزيد من الحفظ لكتاب الله- سبحانه- والمنافسة محمودة في مثل هذا السن.
وسيجد- ثانيا-: الصحبة الصالحة التي تعينه على الخير والحفظ، فلن يصبح هاجس الأصدقاء الذين يسمع منهم أكثر منك مقضا لمضجعك، بل إن سترحبين بما يسمعه منهم- غالبا.
وثالثا: سيجد المرح واللعب الذي ذكرت أنه يحبه ويميل إليه.
رابعا: سيجد الحوافز الكثيرة التي تدفعه لمزيد من الحفظ.
• وكونه يسمع من أصدقائه أكثر من والديه هذا شيء طبعي في مثل هذه المرحلة، فلم يعد والداه هما مصدر العلم والمعرفة، بل إن كثيرا من المراهقين يَعُدُّ الوالدين مصدر كبت، لاسيما إذا كانت علاقته معهم صورية تتوقف على النصائح والأوامر والنواهي فقط، لا مجال فيها للأخذ والعطاء والحب والنقاش والحوار وتبادل الأحاديث الودية.
• أما دورك أنت في حال دخل الحلقة أم لم يدخل فإنه كبير- ولا شك- فإن التربية لن تتوقف في حقك مهما كان ابنك كبيرا، وأهم ما أوصيك به إضافة إلى ما سبق:
1- أن تصبري ولا تملِّي، وأن تطمئني على ولدك ما دام لم يسلك مسالك السوء، لأن بذرة الخير التي تزرعينها ستنمو يوما وتترعرع، وحينئذ تحمدين جهدك وصبرك، والمراهقون بحاجة إلى الصبر، فلا تستعجلي.
2- أن تراعي سنه وعمره، وتراعي أيضا بيئته التي يعيش وسطها ومجتمعه، وتراعي زمنه وعصره، فإن لكل زمان طريقة وأسلوب في الحياة تختلف عن سابقه، وضعي نفسك مكانه أحيانًا، فقد لا يكون من الحكمة مطالبته بالحفظ والمراجعة في رحلة مرح- مثلا-، ولكن هذا لا يعني أن تتركي الحبل على الغارب.
3- من الجيد أن يتم إشباع رغبة ابنك في المرح، حتى لا يحس بالحرمان مقارنة بأقرانه، وأقول: (إشباع رغبته في المرح) تجوّزًا، وإلا فإني لا أظن أن هذه الغريزة يمكن أن تشبع، ولكن بقدر.
4- يمكن استغلال هذا الجانب الذي بدا لك سلبيا- وهو حبه للمرح- في جانب آخر إيجابي، وهو ربط المرح بالحفظ، وأنه كلما حفظ قدر كذا وكذا صفحة فستكون جائزته حصة مرح بالطريقة المناسبة.
5- وعلى ذكر الحوافز يمكن دفع ابنك بالحوافز الأخرى المناسبة غير المبالغ فيها وغير الممتهنة التي لا تهمه، سواء كانت الحوافز مادية أو معنوية، فإن الحوافز إذا كانت كبيرة واعتادها الابن صار ما يأتي بعدها من حوافز غير مهم، كما أن الحوافز الكبيرة للأعمال الصغيرة تجعل حوافز الأعمال الكبيرة مستحيلة أو صعبة المنال، ولا ننسى أن كلمات التشجيع والفخر تعد حافزا مناسبا أحيانا.
6- ومن الأفكار المناسبة مخاطبة المرشد الطلابي أو معلم القرآن في المدرسة عن المشكلة وبحث الحلول سويا، واقتراح الحلول المناسبة التي ينبغي أن تقوم بها المدرسة لعلاج هذه الظاهرة، كإقامة مسابقات فصلية أو سنوية في مراجعة وحفظ القرآن.
7- وبما أنك تذكرين ضعف تعاون الأب معك، فقد يكون من المستحسن الاستفادة ممن يُكِنّ لهم ابنك تقديرا خاصا من الأقارب في تحفيزه للحفظ، أو إشراكه في حلقة مناسبة، حتى لو كان في ذلك حرج على الابن، وقد لا يكون من المناسب أن يعرف ابنك أنك سبب تدخل هذا القريب لئلا يعود عليك ذلك سلبا.
8- قد يكون من أسباب عدم سماعه وتقبله لتوجيهاتك الأسلوب الذي يتم استخدامه معه، مجرد نصائح وأوامر، أما العلاقات الحميمة والصداقات مع الأبناء فهي غير موجودة، وهذا بحد ذاته دافع لعدم تقبل ابنك منك وتقبله من أصدقائه، فلمَ لا تكوني صديقة له ليتقبل منك؟ ولتكن توجيهاتك غير مباشرة لئلا يأنفها.
9- وإذا رأيت أن الأبواب أوصدت أمامك وأنه لن يغير صحبته ولن يغير سلوكه فلتقربيه من المنزل أكثر بطلبه أن يدعو زملاءه في المنزل أكثر من مرة، وتقومي بإكرامهم.
10- لا تنسي- أيتها الأخت الفاضلة- الباب الذي لا يغلق، باب الدعاء والانطراح بين يدي الله سبحانه وتعالى، فإنه ما صلح بشر ولا اهتدى إلا بمزيد فضل من الله سبحانه وهو الهادي إلى سواء السبيل.
وفي النهاية: أكرر أنك إن استطعت إشراك ابنك مع حلقة ستنحل كثير من المشاكل وتُلبى كثير من الرغبات، ويتحقق العديد من الأهداف.
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه، وأصلح ذرياتنا وإياكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الكاتب: فهد السيف.
المصدر: موقع المسلم.